لا يزال السعوديون في حالة فخر واعتزاز نظير ردود الفعل الإيجابية بسبب النجاح الكبير لموسم حج هذا العام. ومن الواضح جدا أن هناك أداء مميزا لدى بعض القطاعات الحكومية ساهم في إنجاز هذه الصورة الناجحة والمشرفة. فأداء وزارة الداخلية بكافة قطاعاتها تحول إلى أداء أسطوري ومثالي ومضرب للتفاني والإخلاص، ولعل الصور التي تم تناقلها لأفراد قوى الأمن في مواقف مختلفة لتوثق المناسبة وتكون أكبر دعاية وإشادة بما يقدمه هؤلاء الأبطال. ونفس الشيء من الممكن أن يقال عن وزارة الحج، التي طورت من أدائها بشكل علمي ومدروس، معتمدة على التخطيط المسبق والتأهيل والتدريب وتوظيف مثالي للتقنية الحديثة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزارة النقل التي قدمت منظومة متجانسة من «الحلول» لكافة التحديات التي تواجه الحجاج في هذه المناسبة الهامة. وهذا يفتح المجالات أن هناك قطاعات أداؤها (عموما سواء في فترة الحج أو غيرها) أفضل من غيرها. وبما أن البلاد تعيش مشروع رؤية 2030 الأهم في تاريخها، وأن هناك الكثير جدا من الآمال والطموحات معقودة على نجاح الرؤية، وأن ينال المشروع الطموح العظيم فرصته كاملة بالأداء التنفيذي السليم بعيدا عن المجاملة، وبالتالي من يشذ عن الأداء وينشز لا بد من إبداله. نحن أمام أداء أشبه بالأوكسترا السيمفوني، الكل مطالب بالعزف من نفس «النوتة الموسيقية» واتباع توجيهات المايسترو قائد الأوكسترا. ولكن هناك تفاوتا في الأداء على ما يبدو، فمع التألق والتميز لقطاعات الداخلية والحج والنقل وكذلك العدل التي خطت خطوات لافتة جدا في تطوير الأتممة في معاملاتها، والشؤون الإسلامية التي تواصل معركة مكافحة التطرف، والزراعة التي تبلو بلاء حسنا في تحسين جودة المنتج الزراعي السعودي، وأن تكون له قيمة مضافة، وهناك قفزات في أداء وزارة الطاقة التي حافظت بمهارة على استقرار سوق النفط وتواصل الاستعداد لطرح أرامكو، وتثبت أن السعودية لا تزال الشريك والمورد الأكثر اعتمادية في القطاع النفطي. وهناك أداء جيد لوزارة الخارجية التي تسعى لتطوير أداء السفارات بالخارج، وهناك تحسن في هذا المجال. ولكن هناك أداء أقل ما يقال عنه إنه لا يواكب الطموحات من قبل وزارة التجارة التي لم تقم بمبادرات لتشجيع القطاع الخاص ولا أخذ آرائه في عين الاعتبار، وهو الذي يعتبر ترمومترا من أدوات قياس السوق. وكذلك وزارة العمل هناك تذبذب في الأداء، إذ يبدو أن التركيز لا يزال على سياسة الإحلال الوظيفي وليس على خلق الوظائف، وهناك فارق شاسع بين الاثنين. والصحة في حال لا يسر، فالأداء متذبذب والحمل ثقيل ولم تتمكن الوزارة من أن تكون جاذبة للاستثمار الصحي في قطاع حيوي يعاني من نقص واضح. والاتصالات تعاني من قلة الابتكار، فالقطاع خامل وهو من المفروض أن يكون جاذبا للاستثمار والتوظيف، مشغلان يخسران في الهواتف المحمولة، وقد تكون هناك فرصة للاندماج لو وجدت عوامل التحفيز. المالية عادت مشاكل التأخير في السداد لمستحقات المقاولين دون حلول حاسمة، وهذا يؤثر بالسلب على السوق بصورة عامة. البلديات هناك تحديات تستحق التعامل معها بحدية أكثر خصوصا لو نظر إليها أنها من محفزات الاستثمار. الإعلام تعاني من تيه، فلا علاج لمستحقات الصحف ولا حراك لرخص إذاعية جديدة ولا تحفيز استثماريا لعلاج نظام الصحف المعيق لتكوين اندماجات إعلامية مالية عملاقة تعود بالفوائد الاقتصادية على البلاد. الأوكسترا السعودية في القطاعات المختلفة تؤدي أداء مبهرا، ولكن من المتأمل أن يتم معالجة الأداء النشاز الذي لا يجاري الأداء المبهر الآخر.
* كاتب سعودي